فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ}.
يعني من النعيم فأما المعاصي فتصرف عن شهواتهم.
{خَالِدِينَ} يعني في الثواب كخلود أهل النار في العقاب.
{كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه وعد الله لهم بالجزاء فسألوه الوفاء فوفاه، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني: الملائكة تسأل الله لهم فيجابون إلى مسألتهم، وهو معنى قول محمد بن كعب القرظي.
الثالث: أنه سألوا الله الجنة في الدنيا ورَغِبُوا إليه بالدعاء فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا وأعطاهم ما طلبوا، وهو معنى قول زيد بن أسلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}.
المعنى {قل} يا محمد لهؤلاء الكفرة الذين هم بسبيل مصير إلى هذه الأحوال من النار، {أذلك خير أم جنة الخلد}؟ وهذا على جهة التوقيف والتوبيخ، ومن حيث كان الكلام استفهامًا جاز فيه مجيء لفظ التفضيل بين الجنة والنار في الخير لأن الموقف جائز له أن يوقف محاورة على ما يشاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطأ، وإنما يمنع سيبويه وغيره من التفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما في المعنى الذي فيه تفضيل إذا كان الكلام خبرًا لأنه فيه محالية، وأما إذا كان استفهامًا فذلك سائغ، وقيل الإشارة بقوله: {أذلك} إلى الجنات التي تجري من تحتها الأنهار وإلى القصور التي في قوله: {تبارك الذي إن شاء جعل لك} [الفرقان: 10]، وهذا على أن يكون الجعل في الدنيا وقيل الإشارة بقوله: {أذلك خير} إلى الكنز والجنة التي ذكر الكفار.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأصح إن شاء الله أن الإشارة بقوله: {أذلك} إلى النار كما شرحناه آنفًا، و{المتقون} في هذه الآية من اتقى الشرك فإنه داخل في الوعد، ثم تختلف المنازل في الوعد بحسب تقوي المعاصي، وقوله: {وعدًا مسؤولًا} يحتمل معنيين وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وابن زيد إنه مسؤول لأن المؤمنين سألوه أو يسألونه، وروي أن الملائكة سألت الله نعيم المتقين فوعدهم بذلك، قال محمد بن كعب هو قول الملائكة ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، والمعنى الثاني ذكره الطبري عن بعض أهل العربية أن يريد وعدًا واجبًا قد حتمه فهو لذلك معد أن يسأل ويقتضي وليس يتضمن هذا التأويل أن أحدًا سأل الوعد المذكور. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل أَذلكَ} يعني: السعير {خيرٌ أم جنَّةُ الخُلْد} وهذا تنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين، لا على أن في السعير خيرًا.
وقال الزجاج: قد وقع التساوي بين الجنة والنار في أنهما منزلان، فلذلك وقع التفضيل بينهما.
قوله تعالى: {كانت لهم جزاءً} أي: ثوابًا {ومَصيرًا} أي: مَرْجِعًا.
قوله تعالى: {كان على ربِّك} المشار إِليه، إِما الدخول، وإِما الخُلود {وَعْدًا} وعدهم الله إِياه على ألسنة الرسل.
وفي معنى {مسؤولًا} قولان:
أحدهما: مطلوبًا.
وفي الطالب له قولان:
أحدهما: أنهم المؤمنون، سألوا الله في الدنيا إِنجاز ما وعدهم به.
والثاني: أن الملائكة سألته ذلك لهم، وهو قوله: {ربَّنا وأَدْخِلهم جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعدتَهم} [غافر: 8].
والثاني: أن معنى المسؤول؟ الواجب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التي وَعِدَ المتقون}.
إن قيل: كيف قال: {أَذَلِك خَيْرٌ} ولا خير في النار؛ فالجواب أن سيبويه حكى عن العرب: الشقاء أحب إليك أم السعادة، وقد علم أن السعادة أحبّ إليه.
وقيل: ليس هو من باب أفعل منك، وإنما هو كقولك: عنده خير.
قال النحاس: وهذا قول حسن؛ كما قال:
فشرُّكما لخير كما الفِداء

قيل: إنما قال ذلك لأن الجنة والنار قد دخلتا في باب المنازل؛ فقال ذلك لتفاوت ما بين المنزلتين.
وقيل: هو مردود على قوله: {تَبَارَكَ الذي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذلك} الآية.
وقيل: هو مردود على قوله: {أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}.
وقيل: إنما قال ذلك على معنى عِلمكم واعتقادكم أيها الكفار؛ وذلك أنهم لما كانوا يعملون عمل أهل النار صاروا كأنهم يقولون إن في النار خيرًا.
قوله تعالى: {لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} أي من النعيم.
{خَالِدِينَ كَانَ على رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا} قال الكلبيّ: وعد الله المؤمنين الجنة جزاءً على أعمالهم، فسألوه ذلك الوعد فقالوا: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} [آل عمران: 194].
وهو معنى قول ابن عباس.
وقيل: إن الملائكة تسأل لهم الجنة؛ دليله قوله تعالى: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} [غافر: 8] الآية.
وهذا قول محمد ابن كعب القُرظِي.
وقيل؛ معنى {وَعْدًا مَسْئُولًا} أي واجبًا وإن لم يكن يسأل كالدَّين؛ حكي عن العرب: لأعطينك ألفًا.
وقيل: {وَعْدًا مَسْئُولًا} يعني أنه واجب لك فتسأله.
وقال زيد بن أسلم: سألوا الله الجنة في الدنيا ورغِبوا إليه بالدعاء، فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا وأعطاهم ما طلبوا.
وهذا يرجع إلى القول الأول. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التي وَعِدَ المتقون}.
والظاهر أن الإشارة بذلك إلى النار وأحوال أهلها.
وقيل إلى الجنة والكنز في قولهم.
وقيل إلى الجنة والقصور المجعولة في الدنيا على تقدير المشيئة و{خير} هنا ليست تدل على الأفضلية بل هي على ما جرت عادة العرب في بيان فضل الشيء وخصوصيته بالفضل دون مقابله كقوله:
فشركما لخيركما الفداء

وكقول العرب: الشقاء أحب إليك أم السعادة.
وكقوله: {السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه} وهذا الاستفهام على سبيل التوقيف والتوبيخ.
قال ابن عطية: ومن حيث كان الكلام استفهامًا جاز فيه مجيء لفظه للتفضيل بين الجنة والنار في الخير لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما شاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطأ، وإنما منع سيبويه وغيره من التفضيل إذا كان الكلام خبرًا لأن فيه مخالفة، وأما إذا كان استفهامًا فذلك سائغ انتهى.
وما ذكره يخالفه قوله:
فشركما لخيركما الفداء

وقوله: {السجن أحب إليّ} فإن هذا خبر.
وكذلك قولهم: العسل أحلى من الخل إلاّ إن تقيد الخبر بأنه إذا كان واضحًا الحكم فيه للسامع بحيث لا يختلج في ذهنه ولا يتردد أيهما أفضل فإنه يجوز.
وضمير {التي} محذوف أي وعدها وضمير {ما يشاؤون} كذلك أي ما يشاؤونه وفي قوله ما يشاؤونه دليل على أن حصول المرادات بأسرها لا تكون ألاّ في الجنة.
وشمل قوله: {جزاءً ومصيرًا} الثواب ومحله كما قال: {نعم الثواب وحسنت مرتفقًا} وفي ضده {بئس الشراب وساءت مرتفقًا} لأنه بطيب المكان يتضاعف النعيم، كما أنه برداءته يتضاعف العذاب {وعدًا} أي موعودًا {مسؤولًا} سألته الملائكة في قولهم {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} قاله محمد بن كعب والناس في قولهم {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} وقال معناه ابن عباس وابن زيد.
وقال الفراء: {وعدًا مسؤولًا} أي واجبًا يقال لأعطينك ألفًا وعدًا مسؤولًا أي واجبًا، وإن لم يسأل.
قيل: وما قاله الفراء محال انتهى.
وليس محالًا إذ يكون المعنى أنه ينبغي أن يسأل هذا الوعد الذي وعدته أو بصدد أن يسأل أي من حقه أن يكون مسؤولًا.
و{على ربك} أي بسبب الوعد صار لابد منه.
وقال الزمخشري: كان ذلك موعودًا واجبًا على ربك انجازه حقيقًا أن يسأل.
ويطلب لأنه جزاء وأجر مستحق، وهذا على مذهب المعتزلة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ} تقريعًا لهم وتهكُّمًا بهم وتحسيرًا على ما فاتَهم {أذلك} إشارةٌ إلى ما ذُكر من السَّعير باعتبار اتَّصافها بما فُصِّل من الأحوال الهائلة، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بكونها في الغاية القاصيةِ من الهول والفظاعةِ أي قُل لهم أذلك الذي ذُكر من السَّعير التي أعتدت لمن كذَّب بالسَّاعة وشأنُها كيتَ وكيتَ وشأنُ أهلِها ذيتَ وذيتَ {خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التي وَعِدَ المتقون} أي وُعدها المتَّقون. وإضافةُ الجَّنةِ إلى الخُلد للمدحِ وقيل: للتَّمييز عن جنَّاتِ الدُّنيا. والمرادُ بالمتَّقين المتَّصفون بمطلق التقَّوى لا بالمرتبة الثَّانيةِ أو الثَّالثةِ منها فَقَطْ {كَانَتْ} تلك الجَّنةُ {لَهُمْ} في علم الله تعالى أو في اللَّوح المحفوظِ أو لأنَّ ما وعده الله تعالى فهو كائنٌ لا محالةَ فحُكي تحقُّقه ووقوعُه {جَزَاء} على أعمالِهم حسبما مرَّ من الوعد الكريم {وَمَصِيرًا} ينقلبون إليه.
{لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ} أي ما يشاءونه من فنُون الملاذِّ والمُشتَهيات وأنواع النَّعيمِ كما في قولِه تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} ولعلَّ كلَّ فريقٍ منهم يقتنعُ بما أُتيح له من درجات النَّعيم ولا تمتدُّ أعناقُ هممِهم إلى ما فوق ذلك من المراتبِ العاليةِ فلا يلزم الحرمانُ ولا تساوي مراتبِ أهلِ الجنانِ {خالدين} حالٌ من الضَّمير المستكِّنِ في الجارِّ والمجرورِ لاعتماده على المبتدأ وقيل: من فاعل يشاءون {كَانَ} أي ما يشاؤنه وقيل: الوعدُ المدلولُ عليه بقوله تعالى وُعد المتقَّون {على رَبّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا} أي موعُودًا حقيقيَّا بأنْ يُسألَ ويُطلبَ لكونِه مَّما يتنافسُ فيه المُتنافسون أو مسؤولًا لا يسألُه النَّاسُ في دُعائهم بقولِهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رُسلك أو الملائكة بقولهم ربنا وأدخلهم جنَّاتِ عدن التي وعدتهم، وما في على من معنى الوجوبِ لامتناع الخُلفِ في وعدِه تعالى ولا يلزم منه الإلجاءُ إلى الإنجازِ فإنَّ تعلَّق الإرادة بالموعودِ متقدِّمٌ على الوعدِ الموجبِ للإنجاز، وفي التَّعرضِ لعُنوان الرُّبوبِّيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه الصَّلاة والسَّلام من تشريفه والإشعارِ بأنه عليه الصَّلاة والسَّلام هو الفائزُ آثر ذي أثيرٍ بمغانم الوعدِ الكريمِ ما لا يَخفْى. اهـ.